تعد ظاهرة التصحر من المشاكل الهامة وذات الآثار السلبية لعدد كبير من دول العالم، وخاصة تلك الواقعة تحت ظروف مناخية جافة أو شبه جافة أو حتى شبه رطبة. وظهرت أهمية هذه المشكلة مؤخراً, والتصحر حسب التعريف الحديث والمعتمد من قبل Unccd هو: "تدهور الأراضي" في المناطق الجافة وشبه الجافة، وشبه الرطبة، الناتجة عن عوامل مختلفة، منها التغيرات المناخية والنشاطات البشرية.
وفي هذا الموضوع سوف نتعرف على:
1- أسباب التصحر
2- مكافحة التصحر
1- أسباب التصحر:
يمكن أن تعزى ظاهرة التصحر إلى مجموعتين من الأسباب:
1- أسباب ناتجة عن الظروف الطبيعية:
يقصد بالأسباب الطبيعية، التغيرات المناخية التي حصلت خلال فترات زمنية مختلفة، سواء تلك التي حصلت خلال العصور الجيولوجية القديمة والتي أدت إلى ظهور وتشكل الصحاري التي غطت مساحات واسعة مثل الصحراء الكبرى في أفريقيا، والربع الخالي في الجزيرة العربية، وعلى الرغم من أن نشوء وتكوين هذه الصحاري قد اكتمل منذ فترات زمنية بعيدة، إلا أن تأثيرها لازال قائماً على المناطق المجاورة.
أما التغيرات المناخية الحديثة، يقصد بها تلك التي حدثت في الماضي القريب من حوالي عشرة آلاف سنة، والتي لعبت دوراً مهماً في عملية التصحر وتكوين الكثبان الرملية، علماً أن هذه التغيرات المناخية الحديثة لم تكن سلبية في جميع المناطق، بل في بعض المناطق كان التغير إيجابياً، ويعتقد الآن أنه هناك فترة من الجفاف تسود في المنطقة العربية حيث تتصف بالتالي:
- تكرار فترات الجفاف.
- التباين الكبير في كمية الهطول السنوي وتوزعه.
- سيادة الرياح القارية الجافة على الرياح البحرية.
- الفرق الكبير في المدى الحراري اليومي.
2- أسباب ناتجة عن النشاط الإنساني:
يمكن أن تعود هذه الأسباب إلى الزيادة الكبيرة في عدد السكان، والتي رافقها زيادة في الاستهلاك وكذلك التطور الاقتصادي والاجتماعي، أدى ذلك إلى زيادة الطلب على المنتجات الزراعية، هذه العوامل دفعت الإنسان إلى زيادة استغلاله للموارد الطبيعية والتي جاء في غالب الأحيان بشكل غير مرشد، إضافة لذلك فقد بدأ نشاط الإنسان مؤخراً يمتد إلى المناطق الهامشية ذات النظام البيئي غير المستقر والهش. ومن أسباب التدهور نجد:
- تدهور الغطاء النباتي: بسبب الاستثمار غير المناسب. مثل الرعي الجائر، قطع الأشجار والشجيرات. مما أدى إلى تدهور الغطاء النباتي، وخاصة في مناطق المراعي، وقد بلغت نسبة التدهور في أراضي المراعي على سبيل المثال في سورية والأردن حوالي 90% وهذا ينطبق على حالة الغابات أيضاً فمثلاً خسرت لبنان 60% من أشجارها الغابية خلال الأيام الثلاثة الأولى من الحرب العالمية الثانية، وعموماً خسرت الدول العربية أكثر من 11% من غاباتها خلال الثمانينات فقط.
- تدهور الأراضي: يأخذ تدهور الأراضي أشكالاً متعددة منها التدهور بفعل التعرية الريحية أو المائية أو كليهما معاً، التدهور الفيزيائي والكيميائي والحيوي، وكل ذلك يعود إلى الطرق الخاطئة في إدارة موارد الأراضي، فعلى سبيل المثال، تقدر كمية التربة التي يتم خسارتها سنوياً بالتعرية المائية حوالي 200 طن/هـ في المناطق الجبلية في الأردن وتقدر المساحة المتأثرة بالتعرية المائية في سورية بحوالي 1058000/هكتار.
- خسارة التربة الزراعية: تتعرض التربة الزراعية الخصبة، وخاصة حول المدن إلى الزحف العمراني، مما يترتب على ذلك خسارة مساحات كبيرة منها، وهذا الزحف يأخذ أشكالاً متعددة منها، أبنية سكنية، منشآت صناعية، بنى تحتية.. إلى غير ذلك، ونتيجة لذلك فقد خسرت لبنان خلال الأعوام 1960-1980 حوالي 20 ألف هكتار من تربها الزراعية للاستعمالات الحضرية، إضافة لذلك، فإن عمليات الري غير المرشدة أدت إلى خسارة مساحات واسعة في كثير من المناطق الزراعية المروية وهناك أيضاً العامل الاجتماعي.
2-مكافحة التصحر:
لقد ذكرنا سابقاً، أن ظاهرة التصحر قديمة قدم التاريخ، وتفاقمها في العقود الأخيرة من القرن الماضي كان بسبب غياب التوازن البيئي الطبيعي بين عناصر البيئة المختلفة. وذلك نتيجة للاستثمار الجائر وغير المرشد للموارد الطبيعية حتى وصلت الأمور إلى مرحلة الخطر، وفي بعض الأحيان تجاوزتها.
أمام هذا الواقع، كان لابد من أن تدرك الجهات المعنية خطورة الموقف والقيام باتخاذ الإجراءات والوسائل الكفيلة بالحد من هذه الظاهرة والوصول في مرحلة متقدمة إلى إيقافها، مع إيلاء المناطق التي تدهورت الأهمية الكافية لإعادة تأهيلها.
بطبيعة الحال لم تنشأ ظاهرة التصحر دفعة واحدة، بل كان ظهورها بهذا الحجم نتيجة لتراكمات التعامل غير المناسب مع الموارد الطبيعية خلال فترة طويلة من الزمن وبالتالي فإن معالجة هذه المشكلة يحتاج إلى وقت طويل، ولا توجد حلول سريعة لها، لكن يجب البدء باتخاذ الإجراءات الأولية التي تحد من تسارع هذه الظاهرة، ومن ثم وضع الخطط اللازمة لمكافحتها على المدى البعيد.
ومن المبادئ الأساسية التي يمكن الاسترشاد بها لوضع خطط عمل لمكافحة التصحر، وذلك حسب المؤتمرات الدولية المعنية بذلك:
- استخدام المعارف العلمية المتاحة وتطبيقها، خاصة في تنفيذ الإجراءات الإصلاحية العاجلة لمقاومة التصحر، وتوعية الناس والمجتمعات المتأثرة بالتصحر.
- التعاون مع كافة الجهات المعنية بذلك، على الصعيد المحلي، القطري ، الإقليمي والدولي.
- تحسين وترشيد استخدام الموارد الطبيعية بما يضمن استدامتها ومر دودية مناسبة آخذين بعين الاعتبار إمكانيات وقوع فترات جفاف في بعض المناطق أكثر من المعتاد عليها.
- القيام بإجراءات متكاملة لاستخدام الأراضي، بحيث تضمن إعادة تأهيل الغطاء النباتي، وخاصة للمناطق الهامشية، مع الاستفادة بشكل خاص من الأنواع النباتية المتأقلمة مع البيئة.
- يجب أن تكون خطة عمل مكافحة التصحر، عبارة عن برنامج عمل لمعالجة مشكلة التصحر من كافة جوانبها.
- يفترض أن تهدف الإجراءات المتخذة إلى تحسين ظروف معيشة السكان المحليين المتأثرين بالتصحر، وإيجاد الوسائل البديلة التي تضمن عدم لجوء هؤلاء السكان إلى تأمين حاجاتها بطرق تساهم في عملية التصحر.
- على الجهات المعنية بهذا الشأن إصدار القوانين الخاصة بحماية الموارد الطبيعية بأنواعها المختلفة، وتطبيق هذه القوانين بشكل فعال وجاد.
- اعتبار السكان المحليين جزء هام من مشروع مكافحة التصحر، وتوعيتهم وإشراكهم في هذا المشروع منذ البداية، وتكوين الاستعداد عندهم للعمل في المشروع والدفاع عنه، لأنه من المعروف أنهم هم الهدف النهائي لمكافحة التصحر، وذلك من أجل تحسين ظروفهم المعيشية، هذا يرتب على الجهات العاملة في مكافحة التصحر تأمين حاجات تلك المجتمعات بالشكل المناسب والذي يضمن عدم عودتهم إلى الاستغلال الجائر أحياناً لبعض الموارد الطبيعية.
وأتمنى أن تحل هذه المشكلة بما تسببه والتي أصبحت تهدد مساحات كبيرة جداً وأعداد هائلة من البشر بالجوع والتشرد والقحل.