موضوع: قضايا في الجغرافيا السياسية للشرق الأوسط الإثنين فبراير 27, 2012 9:29 pm
قضايا في الجغرافيا السياسية للشرق الأوسط
هل هناك ثمة إمكانية للتوصل لتسوية سياسية للصراع بين إسرائيل والعالم العربي؟
صدر مؤخراً عن وزارة الدفاع الإسرائيلية كتاب جديد للإجابة على هذا السؤال، وقد أثار هذا الكتاب اهتماماً كبيراً في الأوساط السياسية والأمنية ولدى النخب بشكل عام في تل أبيب. وعلى الرغم من أن كتاب " قضايا في الجغرافيا السياسية للشرق الأوسط "، لمؤلفه خبير الديموغرافيا الإسرائيلي البرفسور أرنون سوفير حاول إضفاء مسحة من المعالجة المهنية الأكاديمية في إجابته على هذا السؤال، فإن الإطار العام والجوهري لهذه المعالجة عنصري بامتياز، و لا يمت للحقائق بصلة تذكر. وعلى الرغم من أن عنوان الكتاب يوحي لأول وهلة أنه يتناول الجغرافيا السياسية للمنطقة من خلال عرض أكاديمي خالص ومحايد، إلا أنه يحاول من مقدمته إلى آخر صفحة فيه أن يقدم مسوغات لدعم أيدلوجيا اليمين الصهيوني المتطرف التي تؤكد أن البون الحضاري الشاسع بين العالم العربي الذي يمثل "التخلف والدونية" ، وإسرائيل التي تمثل "الحضارة" الغربية، لا يسمح ابتداء بالتوصل لمثل هذه التسوية. وأهمية الكتاب على الرغم من حججه الواهية والمتداعية، تتمثل ليس فقط في تبني وزارة الدفاع الإسرائيلية إصداره، بل إن هذا الكتاب أعد بعد الاتفاق بين سوفير ووزارة الدفاع ليكون مرشداً لقيادة الأجهزة الأمنية والإستخبارية والمراكز المسؤولة عن تقديم التقديرات الإستراتيجية في المؤسسة العسكرية الإسرائيلية حول العالم العربي.
في البداية حرص المؤلف على التأكيد على أن السمات العامة لمنطقة " الشرق الأوسط " تتمثل في أنه " منطقة صحراوية، موطن للقومية العربية ، والإسلام، والنفط ، وأنه يقع على مفترق طرق "، وهذه السمات كما يرى سوفير مقومات أساسية للتخلف، دون أن يستفيض كثيراً في تقديم المسوغات لتبرير هذا الحكم. في نفس الوقت، فإن الكتاب يقوم على افتراض أن الإسلام "مصدر خطر لسلامة العالم" ، دون أن يقدم تعريفاً للإسلام، يتم من خلاله تفكيك هذا التعريف لمناقشة هذا الحكم الذي يدل على جهل صاحبه وعدائه المطلق للإسلام .
ويفطن سوفير فجأة إلى المشكلة التي وقع فيها من خلال ربط سمات " الشرق الأوسط " بالتخلف، لأنه يدرك أن ثمة مناطق كثيرة تتقاطع مع هذه المنطقة في كثير من السمات التي أشار إليها، فحاول أن يوجد فروقا بين المسلمين العرب في العالم العربي، الذي يطلق عليه " الشرق الأوسط "، والمسلمين في مناطق أخرى تتشابه في ظروفها الجغرافية والمناخية مع العالم العربي مثل إيران وأفغانستان وباكستان. وحسب منطق سوفير، فإنه نظراً لأن الإسلام تعرض لتأثير ديانات أخرى في هذه البلدان، فإن المسلمين هناك هم أقل خطورة من المسلمين في " الشرق الأوسط "، مع العلم أنه حسب المنطق الغربي، فإن هذه المناطق انطلقت منها الجماعات الإسلامية التي تمثل مصدراً كبيراً للخطر على العالم الغربي. ويشير سوفير إلى أن النفط الذي كان من المفترض أن يكون مصدرا للتقدم والازدهار أصبح " لعنة " لأنه دفع العرب للاتكال والعجز عن مجاراة الشعوب في مجال الإبداع والتقدم، في حين تستثمر عوائد النفط في الإنفاق على شراء الأسلحة التي لا تستخدم ، وتصدأ في مخازنها. ويجزم سوفير في كتابه أن الشرق الأوسط "الإسلامي والعربي " يرفض الاندماج في تيارات العولمة لأنه ليس لديه ما يضيفه بالنسبة لها، فهذا الشرق بالنسبة للمؤلف هو مركز للتطرف والإرهاب، وتخلو أجندته من الجدل حول قضايا المجتمع المدني وقضايا المرأة وغيرها.
وفي لهجة استعلائية يقول المؤلف : " إن اتفاق القوى الاستعمارية والذي قاد إلى نشوء الدول العربية لا يساوي المداد الذي كتب به" . وفي المقابل يصور سوفير إسرائيل بأنها جزيرة من الاستقرار والتقدم الصناعي والتقني في هذا البحر المتلاطم من التخلف والانغلاق.
المؤلف استند في بعض أحكامه إلى سلوك النظام العربي الرسمي ، والتي لا خلاف على دورها في تراجع أوضاع العالم العربي على مختلف الأصعدة ، والتي من الصعب دحضها، لكن في المقابل، فإن المؤلف المدفوع بآرائه اليمينية المتطرفة تجاهل الكثير من الحقائق لإضفاء صدقية على آرائه، فهو تجاهل الفروق والاختلافات بين أقاليم العالم العربي ، فلا يمكن النظر للتطور الثقافي في المغرب العربي مثلا ، كما ينظر لهذا التطور في مناطق أخرى.
كل ذلك ليصل المؤلف في النتيجة إلى استنتاج هام وأساسي وهو أنه في ظل أوضاع الشرق الأوسط ( العالم العربي )، وسماته العامة، فإنه لا يوجد لإسرائيل شريك ممكن في عملية التسوية السياسية للصراع مع العالم العربي، وبالتالي فهو يرى أنه يتوجب على إسرائيل مواصلة امتشاق سيفها للذود عن بقائها.
ومن الأمور ذات الدلالة أن يعد هذا الكتاب ليكون مرشداً لقيادات الأجهزة الأمنية والإستخبارية في إسرائيل لمساعدتهم في بلورة تصورات حول العالم العربي!!